الاداره المؤسس
تاريخ التسجيل : 15/03/2010
| موضوع: مسرحية الطـــــــــائر الحديث الأحد أبريل 11, 2010 7:19 am | |
| مسرحية الطـــــــــائر الحديث للكاتب الفرنسي رستان برنار تـنشر لأول مــــــــــرة (1) وللأسف الشديد لم نعرف التاريخ الذي مثلت فيه ، ولا المكان أيضاً. وهي من كنوز الأدب المسرحي الغربي ، وقد حصلت عليها من بعض المصادر الأجنبية ، وعندما بحثت عنها في المصادر العربية ، لم أجدها.... إلا في كتاب واحد ، هو"من أدب التمثيل الغربي" للدكتور طه حسين والمسرحية مثلت في فرنسا ، والنسخة التي اعتمدتها وتصرفت فيها هي النسخة الفرنسية. والمسرحية هذه لم يضعها الفرنسيون ، وإنما ترجمت لهم ، وهي في الأصل انجليزية.
موضوع المسرحية يسير ضئيل فهناك صديقان ، أحدهما شاب في السادسة والعشرين من عمره ، وهو تييو ، والآخر كهل قد بلغ الأربعين ، وهو تيري ، وقد صدقت بينهما المودة وتمت الثقة ، وكلاهما صاحب لهو وعبث ، ولكن الشاب الحدث ، مطمئن إلى الكهل المجرب ، فهو يلجأ إليه ويعتمد عليه ، كلما تعقدت أموره في الحب والنساء ، وهذا الكهل محبب إلى النساء ، فاتن لهن ، فلا يكاد يعرض مخلصا لحل ما بتعقد على صاحبه الشاب ، حتى يضطر إلى خيانته اضطرارا ، وصاحبه الشاب لا يحس ذلك ولا يلمحه .
موضوع القصة كما قلت يسير ضئيل فهناك صديقان ، أحدهما شاب في السادسة والعشرين من عمره ، وهو تيبو ، والآخر كهل قد بلغ الأربعين ، وهو تييري ، وقد صدقت بينهما المودة ، وتمت الثقة ، وكلاهما صاحب لهو وعبث ، ولكن الشاب الحدث ، مطمئن إلي الكهل المجرب ، فهو يلجأ إليه ، ويعتمد عليه ، كلما تعقدت أموره في الحب بعض التعقيد . وهذا الكهل المجرب محبب إلي النساء ، فاتن لهن ، فلا يكاد يعرض مخلصا لحل ما يتعقد علي صاحبه الشاب من الأمر حتى يضطر إلى خيانته اضطرارا. وصاحبه الشاب لا يحس ذلك ولا يلمحه ، وإنما هو ماض في ثقته ، يدفع صاحبه إلي خيانة دفعا، والظروف تعينه علي ذلك، وتغريه به ، كما تعين صاحبه علي الخيانة , وتورطه فيها حتى يأذن الله لفتاة هي أليس أرسان، بأن ترد الشاب إلي الرشد ، وتحول بين هذا الكهل وبين المضي في الإثم على غير عمد أو على عمد غير متعمد ، إن صح هذا التعبير الغريب . ونحن حين نرفع الستار عن فندق فخم من فنادق الصيف في مدينة مترفة من مدن الساحل ، هي مدينة دوفيل ، نرى هذا الكهل المجرب تييري يتحدث إلى خادم من خدم الفندق , وهو يهيئ له غرفة الاستقبال في الجناح الذي احتجزه لنفسه ، ليقضي فيه بعض الصيف ، والخادم ينبئه بأن فتاة قد أقبلت تطلب لقاءه ، وهي تنتظر في بهو الفندق واسمها أليس أرسان . فإذا أذن بالصعود رأينا فتاة جميلة ولكنها شديدة الاحتشام ، شديدة الذكاء ، متئدة فيما تعمل وفيما تقول . وفهمنا من أول حديثها إلي هذا الرجل أنها قريبة صديقه تيبو ، وأنها تعمل في قصره كرفيقة لأمه الغنية التي تقدمت بها السن , ولكنها تأبي أن تشيخ ، فهي تلهو وتعبث وتختلف إلى الكازينو كل مساء تقامر مع المقامرين ، وهي تربح حينا فتزعم أنها خاسرة وتخسر حينا فتزعم أنها رابحة، تعلن الخسارة في أوقات الربح لترد عن نفسها أصحاب الحاجات ، وتعلن الربح في أوقات الخسارة لترد عن نفسها العذال والشامتين . وهي في حقيقة الأمر لا تحفل بخسارة ولا بربح لأنها واسعة الغني عظيمة الثراء،وحسبك أن بعض مواردها يغل لها أربعة عشر مليونا من الفرنكات . وهذه الفتاة تعمل في القصر رفيقة لقريبتها هذه ، ولكنها لا تراها ولا تتصل بها ، وإنما تلزمها من بعيد ، تشتري لها الكتب ، وتقرأها نيابة عنها ، وتلخصها لها تلخيصا موجزا لتكون علي علم بها إذا تحدثت إلي الناس . وقد ترافقها إلى الكازينو ولكنها لا ترافقها إلى غرفة اللعب وإنما تنتظرها في مكان آخر . وهي قد أقبلت اليوم تبلغ هذا الرجل أن قريبها تيبو سيزوره بعد حين ، ليتحدث إليه في أمر ذي بال ، وما دامت قد ذكرت تيبو ، فهي تصوره لنا كما صورت أمه . فهو فتي رائع الشباب ولكنه لا يقدر شبابه قدره وإنما يبذر فيه تبذيرا وينفقه بغير حساب، قد أفسده الغنى فاتبع هواه، وتنقل به هواه من حب إلى حب، ومن لذة سريعة إلى لذة سريعة حتى فقد قلبه وعطفه، وكل هدوء، وكل استقرار. والفتاة ترى ذلك محزونة له، ساخرة منه، ملاحظة دقائقه مع ذلك مستخرجة منها العبر والعظات التي لا يحسن استخراجها إلا المجربون الذين مارسوا الحب واللذة وعرفوا آثامهما وآثارهما. وهى تزعم أنها تجد من نقاء ضميرها، وصفاء سريرتها، ما يمكنها من أن تفهم الحياة وتستخلص عظمتها وعبرتها أحسن مما يفعل المجربون الممارسون. وهذا الفتي تيبو قد أقبل، فذكرته الفتاة بأنه مضطر إلى أن يتناول العشاء مع أهله هذه الليلة لأنها ليلة عيد من أعياد أمه، قد اجتمعت لها الأسرة كلها علي كره من الأم التي كانت تؤثر علي مائدة العشاء مائدة القمار. وقد انصرفت الفتاة وخلا الصديقان فلم يكادا يتحدثان حتى فهمنا قصة هذا الفتي. فهو يحب منذ عهد بعيد امرأة جميلة غنية هي هنرييت هربلان ولكنه لقي في بعض زياراته امرأة أخرى جميلة هي لورنس هربر فأحبها وأحبته، وأبعدا في الحب حتى كادا يبلغان الزواج . وكانت خليلته الأولى تصطاف مع زوجها في أقصى الغرب الجنوبي على الاطلنطيك بينما يصطاف هو مع صاحبته في هذه المدينة الجميلة علي ساحل المانش، ولكن الظروف الخادعة الماكرة زينت لهذا الزواج الأحمق أن يفارق امرأته أياما لتزور أسبانيا فأسرعت هذه المرأة إلي دوفيل ونزلت ضيفا علي أسرة صديقة تقيم من الفندق غير بعيد . والفتي حائر بين هاتين الخليلتين، فهو يحب لورنس ويريد أن يتخذها له زوجا، وهو يريد أن يتخلص من هنرييت، ولكن في شيء الرفق، ومن غير أن يؤذيها في حبها إيذاء عنيفا.وقد خطر له أن السبيل إلي التوفيق بين هذين الأمرين، إنما هو أن يقلل من لقاء لورنس ويحتاط هذا اللقاء، حتى تسافر هنرييت من دوفيل. ولكنه لا يجرؤ علي أن يبين حقيقة الأمر للورنس فهو يعتمد علي صديقه تييري في ذلك ولا يشك في أنه سيؤدي إليه هذه الخدمة راضيا سعيدا . وهو من أجل هذا ينصرف مسرعا وينبئ صاحبه بأنه سيلقاه في الغد ليعرف منه ما سيكون بينه وبين لورنس من الحديث. وما هي إلا لحظات حتى تستأذن لورنس على صاحبنا الكهل فيأذن لها ويلقاها ولا يكاد يأخذ معها في الحديث حتى يرى أنها تعلم من أمر صاحبه كل شيء.فليس من المعقول أن يتقرب رجل من امرأة بالحب دون أن يسعى الساعون إليها بأنباء هذا الرجل ، ما ظهر منها وما بطن. وهي ليست غافلة ولا جاهلة فتظن أن صاحبها قد ظل ينتظرها طول حياته نقيا بريئا من الحب فهي إذن تعذره ولكنها تلومه لأنه لم يتحدث إليها بنفسه في هذا الموضوع . على أنها لا تكره آخر الأمر أن تعفو له عن هذا النزق الذي دفعه إليه الشباب ، وهي تهم أن تنصرف ولكن تييري يستبقيها ليتحدث إليها طرفا من حديث ، ولينـبئها بأنه سعيد حقا بها فما كان يقدر أنه سيلقي امرأة يرتفع بها الذكاء والفطنة وحسن التقدير للأشياء إلي حيث تتجاوز المألوف، وتعرض عن الصغائر وهو سعيد بأن يثنى عليها غير طامع فيها لأنها خليلة صديقه، وهي سعيدة أيضا بالاستماع لهذا الحديث الذي ليس وراءه طمع ولا رغبة والذي لا يفسده تملق ، ولا تقرب , فقد سئمت ثناء المحبين كما سئم هذا الرجل أيضا حديث المحبات . وهما سعيدان حقا بهذا الود الذي أخذ ينبت بينهما لأنه ود بريء عن الحب يرتفع عن الحب ويكتفي بالصداقة لقد ظفرت هي بإعجاب الرجال حتى أذلتهم وظفر هو بإعجاب النساء حتى أذلهن. فما يمنعها أن يلتقيا كما يلتقي الفاتحان الظافران فيتحدثا في غير الفتح والظفر، ويسمرا في غير الحب والغرام . وليس من شك في أن هذه المرأة لا تستطيع أن تحب هذا الرجل لأنه متقدم في السن ، ولأنها تحب صديقه الشاب . وليس من شك أيضا في أن هذا الرجل لا يستطيع أن يحب هذه المرأة ، لأنها شابة بالقياس إليه ، ولأنها خليلة صديقه فلن يكون بينهما إلا ود الأصدقاء ، وإذن فسيجتمعان إلى العشاء في الفندق وستعتذر هذه المرأة إلي قوم دعوها إلى العشاء معهم ، ولن يتعشيا في الفندق، ولا في الكازينو ولكنهما سيذهبان إلي مطعم بعيد، ولن يشربا على طعامهما الشمبانيا, ولا هذه الأنبذة التي تدير الرأس وتحجب العقل ، ولكنهما سيشربان نبيذا من هذه الأنبذة التي تطلق اللسان وتبعث الحرارة في القلب وتحبب حديث الصداقة إلي الأصدقاء. وقد نهضت لتتهيأ للخروج فهم أن يقبل يدها فردته عن ذلك ردا فما ينبغي للصديق أن يقبل يد الصديق وإنما يتصافح الأصدقاء في قوة كما يتصافح الرجال. ويرفع الستار عن الفصل الثاني من الغد فإذا نحن في الغرفة نفسها نرى هذين الصديقين وقد احدث الليل بينهما ما لا يحدث بين الأصدقاء، وهما يعتنقان اعتناق العاشقين وقد فتن كل منهما بصاحبه وسقط بينهما ذلك الفتى الغر، فمرا عىي جئته إلى حبهما العنيف ثم تم الاتفاق بينهما على أن يرحلا بحبهما عن هذه المدينة لينعما به في مأمن من الرقباء. وستسافر هي أول النهار ويدركها هو إذا كان المساء أو إذا كان الغد لأنه ينتظر اليوم مقدم أخيه . وقد انصرفت عنه على كره منها وعلى كره منه ، ولكنه لم يكد يخلو إلى نفسه حتى أفاق من نشوة الخيانة ، ونظر إلى نفسه فازدراها وإلي صديقه فرثى له وعطف عليه . وهذا الخادم قد أقبل يصلح من شأن الغرفة ، فإذا هذا الرجل لا يستطيع أن يمنع نفسه من التحدث إليه لأنه شقِيٌ بالندم الذي يملأ قلبه .وهو يسأل الخادم عن سنه ثم عن حبه ثم عن خليلته . فينبئه الخادم بأنه يحب امرأة صديق له ، فقد وجد هذا الرجل إذن زميلا له في الخيانة فهو يسأله كيف أقدم على هذه الخيانة وكيف وجد أثرها في نفسه والخادم ينبئه بأنه كره ذلك أول الأمر ولكنه ألفه وتعوده بعد قليل من الزمن. ......ولكن التليفون ينبئ بأن الفتاة التي رأيناها في الفصل الأول تستأذن في لقاء هذا الرجل، فإذا أذن لها رأيناها قد أقبلت اليوم كما أقبلت بالأمس تحمل رسالة من تيبو إلي صديقه، فهو قد انفق الليل كله أو أكثره خارج القصر وعاد مع الصبح ليزور صاحبه متأخرا بعض الشيء . والفتاة ساخرة من قريبها، ساخرة من صديقه، تزعم له أن قريبها يثق به الثقة كلها، فلا يكاد الرجل يسمع لفظ الثقة حتى يضطرب له ، وتثور نفسه، وإذا هو ساخط أشد السخط على هؤلاء الأصدقاء الذين يثقون بأصدقائهم ، وعلى هؤلاء الضعفاء الذين يثقون بالأقوياء، وعلى هؤلاء الناس الذين يعجزون عن تدبير أمورهم فيعتمدون على غيرهم في تدبير هذه الأمور ، والفتاة لا تفهم هذه الثورة المفاجئة ولكننا نحن نفهمها حق الفهم فالرجل نادم علي ما فرط في ذات صديقه ولكنه يحمل صديقه تبعة هذا التفريط فهو الذي وثق به وكلفه تدبير أمره عند لورنس . ولو لم يفعل لما لقيها ، ولما فرط في ذات الصديق. وهذا تيبو قد اقبل فانصرفت الفتاة وخلا الصديقان ، ولم يكد تييري ينبئ صاحبه كارها متكلفا بأنه قد دبر الأمر عند لورنس ، وأن لورنس قد قبلت عذره ورأت أن تسافر أياما تجنبا لكل مضايقة ، لم يكد ينبئه بهذا حتى سمع منه عجبا . سمع منه انه لا يحفل بلورنس ولا يريد أن يراها لأنه لقي هنرييت فتجدد حبه لها وشق عليه فراقها وأنفق الليل كله في إقناعها بأنه لم يخنها وبأنه لم يحب لورنس ولم يزد على أن أكثر معها الحديث ، وقد اقتنعت هنرييت ثم شكت، ثم اقتنعت ولكنها قطعا ستعود إلى الشك ، ومن أجل ذلك يعتمد الفتى على صديقه في أن يمحو من نفسها كل ريب، ويرد إليها الثقة و الاطمئنان . والصديق سعيد بما يسمع، فهو يبرئه من الخيانة. وأي بأس عليه من أن يحب لورنس وقد انصرفت عنها نفس صاحبه، وأي بأس عليه من أن يقنع هنرييت بأن الفتى لم يخنها ، فذلك يرد هذين العاشقين إلى عشقهما ، ويخلي له وجه صاحبته . فهو إذن قبل هذه المهمة الثانية . وينصرف عنه الفتى بعد أن ينبئه بأن هنرييت قادمة للقائه وبأنه هو سيلقاه بعد الغداء. وما هي إلا لحظان ينعم فيها الرجل براحة الضمير وهدوء البال حتى تدخل عليه هنرييت فإذا امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها جميلة ضعيفة محزونة كثيرة البكاء ، لا يكاد الرجل يراها حتى يرفق بها ، ويخلص في النصح لها ، وفي تشجيعها وتبرئة صديقها من الخيانة ، ولكن حديثه لا يخلو من نبرات فيها حنان وعطف وشيء قد لا نستطيع أن نسميه الإغراء ، ولكنه ليس بعيداً من الإغراء . وقد أخذت المرأة تتأثر بهذا العطف وترق لهذا الحنان ، وتسخر بهذا الصوت وإذا هي تدنو منه ، وتستدنيه وهو يحس الخطر فيبعد عنها ويتكلف الجد ، ولكن بعد أن فات وقت الجد ، فقد دنت منه المرأة وأخذت في استعطافه ، وهو قريب العطف ، وما هي إلا أن تلح عليه في قبلة وداع ، فإذا منحها القبلة الأولى أخذه الشرك وألقي الستار من دونهما وهي تقول : لن أفارقك لأني لا أحب إلا إياك. فإذا كان الفصل الثالث فنحن في قصر تيبو بعد الظهر من اليوم نفسه نرى تييري يتحدث إلى الفتاة " أليس " يسألها عن صديقه أين هو فتنبئه بأنه خرج يتلمسه وكان شديد الاضطراب كأن أمراً ذا بال يعنيه ، فينبئها هو بأنه سيغيب لحظه ليسعى إلى أخيه الذي سيقبل من سفر بعيد ثم يعود بعد ذلك ، ولا يكاد يخرج حتى يقبل تيبو ثائر النفس بادي الاضطراب يسأل عن صديقه فتنبئه الفتاة بأنه سيعود بعد قليل ، ولكنه لا يملك نفسه من أن يتحدث إلى الفتاة ببعض اضطرابه .. وإذا الفتاة تقص عليه من أمره كل شيء قد علمت ذلك من نفسها ، وفهمته من أحاديث الناس ، وهي تزدري الفتى ، وتزدري حبه وتحزن على هذا الشاب الضائع الذي يسرف فيه صاحبه بغير حساب ، وعلى هذه العواطف المبتذلة التي تنحط لها نفوس كان ينبغي أن ترتفع ، وتنبئ الفتى أن صاحبته هنرييت لم تكن تحبه حين أظهرت ما أظهرت من الغيرة ، وإنما كانت تريد أن تنتقم لما أحست من الخيانة ، فإذا سألها الفتى وما أنت وهذا ، ما علمك بهذه الأشياء ، وهل أحببت قط ؟ أنبأته بأنها قد أحبت ولكنها لم تجد صاحبها أهلاً لحبها فأعرضت عن هذا الحب وأخذت نفسها بحياة العزوبة ، وأنبأته بأنها تعاف هذه الحياة التي تحياها وبأنها مسافرة مع المساء لتعيش مع أختها وتعني بابنيها الصبيين ، فإذا سألها عمن أحبت أنبأته بأنها أحبته هو ، ثم عافته لما رأت من سيرته ، ولولا ذلك لما أنبأته بهذا الحب . ولا يكاد الفتى يسمع بهذا النبأ حتى يفتنه ويسحره ، وإذا هو يتلطف للفتاة ويعلن إليها حبه ، فتعرض عنه وتفر منه ، ويهم أن يتبعها ، لولا أن صديقه قد أقبل ومعه أخوه ، فلا يلقاهما إلا ريثما يستأذن منهما لحظة ويمضي في أثر الفتاة . ويخلو الأخوان فيتحدثان عن اضطراب الفتى وعما كان من سوء حظه مع صاحبتيه ، وعن ندم الصديق الخائن ، وما ينبغي أولا لا ينبغي أن ينبئ به صديقه من الأمر ، ولكن الفتى قد عاد ، وخلا إلى صديقه . ولم يكد صديقه يحدثه عن هنرييت حتى يرده عن الحديث رداً ويعلن إليه أنه يحب أليس ، وأن أليس أحبته ، ومن يدري لعلها ما زالت تحبه ولكنها لا تريد أن تعترف بهذا الحب . وهو يعتمد على صديقه في إقناعها .... ولكن الصديق يثور هذه المرة ويأبى أن ينهض بهذه المهمة ، وهو يلح في الإباء وصديقه الفتى يلح عليه في الرجاء ، ثم ينبئه فجأة بأنه قد أنبأ أليس بتوسطه عندها . ثم ينهض فيدعو أليس وينصرف . والرجل ضيق النفس مضطرب الضمير ، وكاره لهذه المهمة مشفق من خيانة ثالثة ، ولكن الفتاة قد أقبلت فلم يكد يتحدث إليها حتى أحس أنه يتحدث إلى امرأة ليست من جنس النساء اللاتي عرفهن من قبل . يتحدث إلى امرأة لا تحب عن عاطفة ، ولا عن شهوة ولا عن هوى ، وإنما تحب بقلبها كله ، وبعقلها كله ، تحب عن علم بالحياة والأحباء وعن بصيرة بما تأتي وما تدع ، ولا ترى في الحب لذة سريعة عارضة وإنما ترى في الحب ثقة وأمناً وسعادة ومتاعاً متصلاً . وإذا هو يحاول أن يغري الفتاة بنفسه وقد كان يخاف أن تتهالك عليه الفتاة ، وإذا هو يرى الفتاة ترده عن نفسها رداً رقيقاً ، ولكنه حازم ، وإذا هو ينهض معتذراً معترفاً بضعفه ، وفساد سيرته سوء مستقبله في كل ما يمس السعادة الراقية النقية مستعطفاً على صديقه محسناً الدفاع عنه ، منتهياً آخر الأمر إلى حمل الفتاة على شيء إن لم يكن هو الرضى فهو قريب من الرضى . وإذا هو يفتح هذا الباب المغلق ويدعو صديقه فإذا أقبل تلقاه بهذه الجملة : لقد كانت تريد أن تفرغ لابني أخيها الصبيين ولكنها قبلت أن تفرغ لك . فيدنو الفتى منها هائماً ولكنها ترده عن نفسها في رفق وتجلس مفكرة قد اخفت وجهها بين يديها ، والفتى يهمس في أذن صديقه : ستعنى أنت بأمر هنرييت فيجيبه الصديق : ليس من ذلك بد . تمـــــــــــــــــــــت
| |
|